تربويات24: |
في أيام تلك الحملة التي قادها الوزير بنهيمة لفرْنَسَة التعليم المغربي، كنت أدرس في المرحلة الإعدادية بـ“المعهد المحمدي” بمدينة القصر الكبير. ومع أصداء السجال الحامي الوطيس، الذي كان يدور ساعتها بين الوطنيين والفرنكوفونيين، حول فرنسة التعليم، وكنت أتابعه عبر جريدة (العَلم)، قمت يوما وكتبتُ على سبورة الفصل عبارة: (لا لفرنسة التعليم، صيحوا ضد المفرنَس المفرنِس محمد بنهيمة). فلما دخل أستاذنا الفرنسي ووجد الطلبة يقرأون تلك العبارة على السبورة، سأل عنها، وما إن علم بمضمونها، حتى انطلق يهاجم اللغة العربية، ويتهكم عليها، ويصفها باللغة الميتة… ولما اشتد الجدل والصخب داخل القسم بينه وبين التلاميذ، خرج مسرعا وأتى بالحارس العام السيد باسو.
كان هذا الحارس العام معروفا بصرامته وقسوته مع التلاميذ، فبعد أن عرف الحكاية وقرأ بنفسه ما كُتب على السبورة، أخذني معه، وجلدني جلدا شديدا، ما زلت كلما تذكرته أتحسسه في كفيَّ وأناملي. ثم عاد أكثر من مرة لاستدعائي وجلدي…
وزيرنا غير المختار، المسمى ابن المختار، حاله مع اللغة العربية هو تماما مثل حال الأستاذ الفرنسي؛ فـ“من جهل شيئا عاداه، والناس أعداء ما جهلوا”. والوزير هذا، سبق له أن صرح بعظمة لسانه بأنه لا يعرف العربية ولا يستطيع التحدث بها، فمن أين له أن يعرف قيمتها وأن يقدر وجوب حفظها واستعمالها؟ كما أن هذا المستوزر لا يعرف الشعب ولا يعرفه الشعب، فكيف يمكنه أن يحترم الشعبَ وهويته وإرادته؟ لكن ما لا يعذر به الوزير ولا غيره من المسؤولين — من باب: لا يعذر أحد بجهله القانون — هو جهله أو تجاهله للدستور المغربي، الذي نص في كل صيغه وتعديلاته — على مدى نصف قرن — على أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية للمغرب. ونصَّ الدستور الأخير بصفة خاصة على وجوب حمايتها وترقيتها وتوسيع استعمالها. وإذا بالوزير الأعجمي يفعل تماما ضد ما نص عليه الدستور، أسمى قانون في البلاد.
هذا الوزير عادة ما يصنَّف ضمن الوزراء التقنوقراطيين المحايدين، وإذا به لا هو محايد، ولا هو تقنوقراطي، وإنما هو غارق متفانٍ في خدمة أهدافه السياسية وإديولوجيته اللاوطنية واللاعلمية واللاتربوية. وها هو بعد أن أصدر مذكرته المارقة، يصدر تصريحا ملبسا غير مفسر، يقول فيه بأن 78% من التلاميذ المغاربة لا يفهمون شيئا؟؟!.
فهل يستطيع أن يقول لنا: في أي المواد، وفي أي اللغات يقع هذا؟ وما أسبابه؟ وما علاجه الحقيقي، علميا وتربويا؟ وهل زيادة التعليم باللغة الفرنسية وزيادة سنوات تعليمها، سيحسن نسبة الفهم، أم سيزيد من نسبة اللافهم؟ أم أن ذلك ليس سوى الدواء الذي قال فيه الشاعر: وداوني بالتي كانت هي الداء؟
د. أحمد الريسوني - المغرب
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق