مرجعك الدائم للنجاح والتفوق والتنمية الذاتية، والتحضير للمباريات والكفاءة التربوية والتأهيل المهني والشؤون الإدارية

بحث هذه المدونة الإلكترونية


الكاتب هو الأسلوب

تربويات24 >>
   الكاتب هو الأسلوب، إمّا أن يكون لكَ أسلوبك الخاصّ، وإمّا فأنت كاتب من الدرجة الثانية. على النّاس أن يميّزوا كتاباتك عن كتابات غيرك حتّى دون ورود اسمك، اسمك هو أسلوبك. الّذين يقلّدون أسلوبًا فقط لأنّهم أعجبوا به، كمن يقلّدون مثلاً نزار قبّاني، أو محمود درويش، لا يمكن أبدًا أخذ كتاباتهم على محمل الجدّ، ولا حتّى على محمل الهزل.
في الغالب يكونون مبتدئين، وهذا وحده قد يشفع لهم. أمّا أن تقدّم نفسك على أساس أنّك كاتب، لك كتب مطبوعة، وحوارات، وجوائز، وتكشيرة صارمة في الصّورة، وأنت بلا أسلوب، بلا إمضاء خاصّ، فهذا هو السّخف بعينه، السّخف الّذي قد يمنحنا ابتسامة صغيرة ساخرة، بعد ذلك سنشفق عليك. في الفيسبوك يحدث ذلك باستمرار، لا أقصد هنا الكتّاب المبتدئين، أو المتسلّين بالكتابة في انتظار النّوم، بل أقصد كتَّابًا معروفين، يمدّون أيديهم دون أيّ تردّد لسرقة أسماكك الصّغيرة، من سلّتك الّتي تضعها خلف ظهرك، بلا غطاء، بينما تكون أنت شاردًا قبالة المحيط. لا يعرفون أنّ للأسماك الصّغيرة جدًّا رائحة أقوى من رائحة المحيط كلّه، كلّما أخفوها جيِّدًا داخل جيوبهم، إلاّ وفاحت رائحتها أكثر باسمك، تلك الرّائحة السّاخرة، الّتي للفضيحة.

    الإبداع يحدث عبر أسلوب واحد، بروح واحدة، حتى حين تدخل في أعماق شخوص مختلفة عنك في كل شيء، فأنت تكتبها بلمسة روحك الخاصة، وبإمضائك الخاص، الذي يستطيع الناس الإحساس بك عبره. عليك أن تتجدد كل مرة، وتنزلق، وتموّه، وتنسف، وتبني أبنية جديدة مختلفة، وتتركها مهجورة، وتغير الأشكال، وتجرب باستمرار، وتتسع عن الإمساك بك في إطار صغير. لكن هذا كله لا يجب أن يحدث بتقمصك لروح محمود درويش أو روح السيّاب، أو بنصوص كاتب آخر نائم في بيته أو في قبره. ذلك يسمى سخافة غير مضحكة.
    إننا ضحية تعاريف جاهزة وغير دقيقة صارت مع الوقت غير قابلة لإعادة النظر. روحي قبل عشر سنوات هي روحي نفسها اليوم وغدا، الروح لا تكبر ولا تصغر ولا تتغير، تولد شاسعة وغير محدودة وخاصة وتظل كذلك، فحتى بعد مائة سنة ستناديك أمك باسمك، وليس ستَتُوه بينك وبين أخيك أو ابن جيرانكم. ما يكبر ويتغير ويختلف هو معرفتنا بأرواحنا، وتعمقنا فيها. ما يختلف ويتغير هو أفكارنا وقناعاتنا، محمود درويش في عصافير الجليل هو نفسه في الجدارية هو نفسه في أثر الفراشة، لقد اتسع فقط ليكشف لنا عن مساحة كبيرة من روحه. سليم بركات لن يصير مطابقاً أبداً لدرويش مهما تطابقت أفكارهم وقناعاتهم، سليم بركات مجرة لوحده يحفر فيها لوحده، اقرأ لصلاح فائق وستفهم قصدي، سيبدو لك نفس الشخص المختلف عن الجميع هو نفسه كل يوم رغم تجدده الدائم واتساعه واستحضاره لكل الكائنات والعناصر في قصائده، رامبو ليس هو بودلير، وبورخيص ليس هو ماركيز، كل يسبح في فلك لوحده، رغم أنه هو نفسه فلك الإنسان. المبدعون مجرات منعزلة، رغم اشتغالهم بنفس المادة، ونفس الكلمات، ورغم قدومهم من نفس النصوص والقراءات. آلية الإبداع هي آلية معقدة للغاية، حتى حين تنتج إبداعاً بسيطاً وواضحاً ويبدو في الظاهر شائعاً. ستجد محددات خاصة لكل مبدع عبر خلطة كبيرة شديدة الخصوصية نفسياً وفكرياً واجتماعياً وعقلياً وهرمونياً وجينياً ..الخ. الروح قد تبدو لك كلمة ضبابية أو دينية أو ميتافيزيقية وهي في حقيقة الأمر كذلك، غامضة وملتبسة على العلوم كما الإبداع نفسه، أنا لا أحددها هنا ولا في أي مكان آخر، لكني أحسها وأحدسها، كما أستطيع بالضبط الإحساس بكاتب داخل نصوص كاتب آخر، وبروحه في نصوص الآخر. صمويل بيكيت عابث كبير، ليس فقط بالأفكار بل حتى بالأشكال والأساليب، لكن اقرأ صمويل بيكيت لتعرف أنه هو نفسه الروح العابثة الكبيرة منذ البداية، التي تمرّست فقط لتكشف كل عبثها الأصليّ. الإنسان يتجدّد بالكامل، علمياً أظن بعد 11 سنة تموت كل خلايا جسمك، وتولد خلايا أخرى، يعني يصير شخصاً آخر، لكن هناك خلايا في الدماغ لا تتجدد ولا تموت إلا بموت الإنسان، إنها هو، تحمل كل ذاكرته وخصوصياته الحميمة، وحين تموت قبل موته يكون قد فقد روحه، يظل جثة خرفة تذهب وتأتي.
      
                                          بقلم الكاتب المغربي محمد بنميلود

ليست هناك تعليقات: