مرجعك الدائم للنجاح والتفوق والتنمية الذاتية، والتحضير للمباريات والكفاءة التربوية والتأهيل المهني والشؤون الإدارية

بحث هذه المدونة الإلكترونية


المهام الجديدة لرؤساء المؤسسات التعليمية بعد "كورونا"

الإدارة التربوية وقيادة الإصلاح: 

كيف يؤثر المدير السئ علي إنتاجية العاملين
تربويات24:


    عاتبني بعض الأصدقاء على رجوعي كثيرا إلى أرشيفي التربوي القديم وكأن عجلة التربية توقفت هناك، وكأن نظامنا التربوي لم يعرف أي تطور.
عذرا أصدقائي، لا ينكر أحد ما عرفته المدرسة المغربية من إصلاحات متلاحقة، ولكنها لا زالت في حاجة إلى المزيد.
أما الرجوع إلى الأرشيفالتربوي فلربط الحاضر بالماضي والتوق إلى المستقبل وإلى الأفضل.
فهناك أشياء جميلة لا يضر التذكير به، وهناك ثوابت وقيم لا يجوز التفريط فيها.
وأسوق نموذجا لما يمكن اعتبار صلاحيته مستمرة ولكم الرأي:

في كلمة ألقيتها أمام الحراس العامين و رؤساء الأشغال الجدد ( أكتوبر 1994) قلت :

"إنكم رغم وصفكم بالجدد فأنتم تحملون ماضيا تربويا ورصيدا معرفيا محترما يشكل أرضية صلبة للمهمة التي أنتم مقبلون عليها لأن العمل الإداري التقني لا يشكل إلا إطارا وأداة لقيادة العمل التربوي، دون أن ننسى أن المستهدف الأول هو التلميذ، المحور الذي من أجله أقيم النظام التربوي برمته.
ويتزامن هذا التكوين مع انعقاد اللجنة الوطنية المكلفة بدراسة قضايا التعليم وإعداد ميثاقه الوطني.
ولقد سجلت خلال المناقشة العامة عدة انتقادات موجهة إلى الإدارة التربوية التي اعتبرت مقصرة في عملها وذات مردودية محدودة وإنها عاجزة عن مواكبة ما جد في عالم التربية وعلومها وأن أطرها لا تمتلك الكفاءة والخبرة اللازمتين للقيادة التربوية والتدبير المادي والمالي.
وليت الإدارة اهتمت بالبعد التربوي الذي هو جوهر اختصاصها ومحور مهمتها، فالملاحظ في هذا المجال أيضا تقصير في الأداء واستسلام لأمر واقع أفقد المدرسة نظامها وانضباطها، واختفت جل التقاليد الجميلة التي حلت محلها سلوكات منحرفة مثل التحاق التلاميذ المتأخر عن الدراسة وتوقفهم عنها قبل حلول العطل أو الامتحانات بدعوى الإعداد لها، بينما أحسن استعداد للامتحان هو الذي يتم بإشراف الأساتذة وتوجيههم. ومن السلوكات التي تسربت إلى مدارسنا ظاهرة العش في الامتحانات وتنامي ظاهرة العنف في الوسط المدرسي.
لقد حملت الإدارة التربوية وزر كل هذه الاختلالات لأنها وجدت نفسها وحيدة في مواجهة هذه التحديات، وفقدت السند الذي كان من المفروض أن تعتمد عليه ألا وهو البيت والمجتمع بجميع مكوناته.
وتأسف بعض المتدخلين على تعرض أبنائنا للتيارات الهدامة التي تتقاذفهم والتي تنخر هويتهم وتستلب كينونتهم، وأكدوا أن الخلاص يكمن في تحصينهم وإكسابهم المناعة الذاتية لمواجهة الغزو الثقافي والفكري الذي حل محل الغزو العسكري.
فهل نحن المسلمون في حاجة إلى أن تعلمنا المنظمات الدولية مواثيق حقوق الإنسان؟ وهل نحن في حاجة إلى دروس في الديموقراطية وكيف نقيم مجتمعنا على أسس المساواة والإنصاف بين جميع أفراده؟
إن العالم المعاصر لا يعترف بالأمم الضعيفة وإن الغلبة للقوي بسلاح العلم والإيمان.
هذا هو البعد الذي افتقدناه، لا أقول في نظامنا التربوي، لأن ديباجة الإصلاحات أكدت على ما يشكل ثوابت مجتمعنا المتمثلة في تمسكنا بديننا وانفتاحنا على العالم، ولكننا افتقدناه في ممارستنا اليومية.
إن التربية قضية المجتمع بجميع مكوناته، فالحل يكمن في ترسيخ قواعد المشاركة والتشارك وتعبئة الفرقاء أفرادا وجماعات، على أن معالجة القضايا البيداغوجية والتربوية تبقى مسؤولية أهل التربية والتعليم بمنظور متجدد ومنهج متطور في إطار فريق تربوي متكامل محوره التلميذ وموجهه الأستاذ والإداري.
وتبقى الإدارة التربوية الساهرة على احترام اختيارات وتوجهات النظام التربوي بتدخلاتها المتعددة والمتنوعة المتجلية في التأطير والمراقبة والتنشيط والتحفيز والبحث عن الحلول المبتكرة والناجعة وربط المؤسسة بمحيطها الواسع.
فالمقبل على تحمل مسؤولية الإدارة، إن كان ينشد الراحة من أعباء القسم فقد أخطأ الاختيار ولن يوفق مطلقا في مهامه.
إن الإدارة التربوية تتطلب صحة بدنية وعقلية ونفسية عالية، وإرادة قوية، وطول نفس، و بعد نظر ومعرفة تامة بقواعد التواصل والعلاقات الإنسانية والذكاء الذي يمكنه من استباق الأحداث واتخاذ القرارات الصائبة...
الخبرة المكتسبة في القسم مفيدة لممارسة مهام جديدة في فضاء أوسع هو فضاء المؤسسة ومحيطها السوسيوثقافي.
ومهما كانت جودة التكوين الذي تستفيدون منه ومدته فإنه لن يغنيكم عن تكوينكم الذاتي والمستمر لمواكبة ما يستجد في حقل التربية والتكوين.
وإن أخطر ما يقتل همة إطار الإدارة التربوية أن تتشابه أيامه ولياليه في سياق رتيب إلى حد الملل، وأن يهتم بشكل المهمة لا بجوهرها، وأن يتحول إلى أداة منفذة بالحرف للتعليمات والتوجيهات الصادرة من عل، دون اجتهاد ودون مراعاة لخصوصيات المؤسسة؛ حينئذ يدب إليه السأم والخمول، ويقل طموحه، ويضع نفسه على هامش النظام التربوي، والحالة أن المشرع أهله ليكون فاعلا أساسيا فيه، وتلك بداية النهاية !
إن النجاح في المهمة الإدارية لا تقتصر على استيعاب النصوص وتقنيات التدبير والتسيير، إنها أعمق من ذلك:
إنها الإيمان بالرسالة الخطيرة التي يضطلع بها وبمسؤولية تنشئة أجيال المستقبل.

ما سر نجاح المسؤول التربوي؟

* أن تكون له معرفة معمقة ودقيقة بالتشريع وقواعد التدبير التربوي والإداري والمالي والمادي، فضلا عن إلمامه بتقنيات التواصل وعلم النفس التربوي وخصوصيات محيط المؤسسة؛
* أن يكون مكتبه مفتوحا وصدره رحبا ليستقبل كل من يقصده، بل وأن يكون متحركا باستمرار وسط مساعديه ورواد المؤسسة، وزيارات منتظمة للأساتذة في أقسامهم وخاصة الجدد منهم لتشجيعهم وتوجيههم شفويا أو برسالة مكتوبة بأسلوب راق ولطيف. فأنت لست مفتشا ولكن مرشدا وموجها؛
* أن يكون في خدمة المؤسسة بأطرها وروادها ورهن الإشارة على الدوام، وليس العكس، فأكبر زلة أن يعتقدن أن الآخرين هم الذين في خدمته؛
* أن يعلم في قرارة نفسه أنه لا يدير ثكنة عسكرية أو أمنية، بل خلية بشرية حية وتواقة إلى الغد الواعد، في حاجة إلى حكمته وتبصره وسنده وتشجيعه، فلكل عضو في هذه الخلية إحساساته وعواطفه وطموحاته وظروفه الخاصة؛
* معاملة الكبير والصغير بالاحترام والتقدير والعطف بعيدا عن الإهانة والتجريح، وأن يتلافى قطعا الولاءات أو الانحياز لطرف على حساب الآخر وأن يترفع عن القيل والقال؛
* الإصغاء ثم الإصغاء وإشعار مخاطبك بأنك مهتم ومتفهم لكل كلمة يتفوه بها؛
* لا تقدم الوعود التي لن تكون قادرا على الوفاء بها؛
* لا تعالج الطوارئ بالانفعال والارتباك، بل بهدوء وحصافة وتشاور مع مساعديك؛
* احرص على مواكبة المستجدات واربط الصلة مع أقرانك لتبادل الخبرات؛
* العمل على إقامة اتفاقيات التوأمة بين مؤسستك ومؤسسات أخرى في الداخل والخارج؛
* إياك والروتين الذي يقتل فيك روح المبادرة والابتكار ويجعل أيامك وأسابيعك وسنواتك رتيبة مملة تجترها وعيناك لا تبرح الساعة لتعرف نهاية يوم عقيم لم تحقق فيه شيئا يذكر.
* حاسب نفسك قبل أن تحاسب، واعلم أنك لم تأخذ المسؤولية لتتباهى أو تستغلها لإرضاء نفسك، بل ينبغي أن تبذل بسخاء وفي نكران مطلق للذات، واعلم أن أي تقصير منك مرفوض وأنك مسؤول حتى عن أخطاء مساعديك فلا تكن غامضاً في توجيهاتك، لابدّ أن تحسن توصيل الرسالة إلى من يتلقّاها؛
* البشاشة والابتسامة ولو في أصعب اللحظات تضفي عليك القبول والرضى وتجعل الجميع يرتاح إليك ويطمئن إليك.

كورونا والمهام الجديدة لرؤساء المؤسسات التعليمية:

سيكون على رؤساء المؤسسات التعليمية الاضطلاع بمهام إضافية جديدة أفرزتها آفة كورونا أو ما يمكن أن نواجهه في المستقبل من أزمات، ونلخص هذه المهام كما يلي:

* إرساء المؤسسة الثنائية المناهج ( Établissement hybride) التي تزاوج بين التعلم الحضوري داخل القسم وبين التعلم عن بعد وربط الاتصال من خلال المنصة الخاصة بالمؤسسة عبر الوسائط الرقمية المتاحة مع جميع التلاميذ وأولياء أمورهم، ويسهر مجلس تدبير المؤسسة والمجلس التعليمي متعدد الاختصاصات على وضع برنامج الأنشطة التربوية الموزعة بين الحضور في الأقسام وبين منصة التواصل.

* إحداث شبكات التواصل بين المؤسسة ومثيلاتها داخل المغرب وخارجه لتبادل الأنشطة التربوية والثقافية وإنتاج وثائق مشتركة؛

* تنظيم دورات تكوينية في مجال الرقميات وتوظيفاتها التربوية لفائدة الأساتذة؛

* الحرص على تزويد المؤسسة بمواد التعقيم والتطهير وتدريب التلاميذ على السلوكات الوقائية في فضاءات المؤسسة ومرافقها الصحية؛

* تنظيم حصص مشتركة بين جميع المواد تعالج محاور مثل البيئة وسبل حمايتها من التدهور والموارد الطبيعية وواجب الحفاظ عليها... وتدرج هذه الحصص ضمن نسب الغلاف الزمني الجهوي والمحلي كما نص عليه ميثاق التربية والتكوين.

* ترسيخ قيم التضامن والتكافل الاجتماعي من خلال مساعدة التلاميذ ذوي الوضعية الاجتماعية الهشة وتزويدهم بالأدوات الرقمية وتمكينهم من الاشتراك في شبكة الانترنيت...

عن الأستاذ والإداري المقتدر محمد بنيس

ليست هناك تعليقات: